تضارب المصالح يعرقل هيكلة النظام الضريبي العالمى

– قررت 137 دولة مواصلة إعادة هيكلة النظام الضريبي الدولي بقيادة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ومجموعة العشرين، بيد أنهما أرجآ اتخاذ قرارات ملموسة بشأن القضايا الحساسة.
وعلمت “الاقتصادية” من منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي من مقرها في باريس، أن المشكلات، التي يتعين حلها لهذا المشروع الضخم لا تزال هائلة.
وأصبح تضارب المصالح بين الدول واضحا بشكل متزايد وهما عنصران ساعدا على تضييق الجدول الزمني الطموح للمشروع.
ومنذ بدء العمل بالتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية في 2017، ومن أجل تحقيق إصلاح جذري للنظام الضريبي الدولي وتنظيم المنافسة الضريبية الدولية، وبسبب ما تتمتع به منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي من خبرة في المجال الضريبي، كلفت مجموعة العشرين نادي البلدان الصناعية تولي مهمة إعداد إطار عالمي لإصلاح النظام الضريبي الدولي.
ولهذا الغرض أسست المنظمة هيئة جديدة موسعة تضم 137 دولة تسمى “الإطار الشامل” لبحث هذا المشروع الضخم على أن يتولى وزراء مالية مجموعة العشرين متابعة مناقشاتها وتوصياتها.
أما لماذا هذا المشروع، فقد كشفت ثورة تقنية المعلومات والاتصالات أن النظام الضريبي الدولي يقوم على مبادئ عفا عليها الزمن لاقتصاد مادي بحت يفرض ضرائب على الشركات، التي لها وجود على الأرض، في حين أن المؤسسات الرقمية، التي لا وجود مادي لها أصبحت ناجية من الضرائب.
وعلى هذا الأساس تم الشروع في إجراء استعراض للنظام الضريبي الدولي، وعلى أساس هذه الحجة، تضغط مجموعة العشرين ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي من أجل إصلاح ضريبي أساسي.
وتأمل مجموعة العشرين في التوصل إلى حل توافقي بحلول نهاية عام 2020، وهو موعد يراه الاقتصاديون بأن فيه كثيرا من التفاؤل.
يستند الإصلاح إلى ركيزتين، الأولى، أنه ينبغي على شركات الرقمنة الدولية أن تدفع مزيدا من ضريبة الدخل، إضافة إلى ضريبة القيمة المضافة، في الدول، التي تبيع فيها منتجاتها أو خدماتها وتحقق أرباحا، مثلما تدفعها في مواقع إنتاجها وبحوثها، حيث تتحمل مخاطر الاستثمار.
وهذه العملية يطلق عليها مسمى “إعادة توزيع الأرباح” أو مجازا “توزيع كعكة ضريبة الأرباح”، ونتيجة لذلك، ينبغي للدول الأم، التي توجد فيها هذه الشركات أن تتنازل عن جزء من حقوقها الضريبية، والدول الناشئة ذات العدد الكبير من السكان والأسواق هي التي تطالب بهذا التغيير في النظام الضريبي.
وفي إطار هذا النهج، لن تهتم دائرة الضرائب الوطنية بوجود مادي فعال للشركة على أراضيها أم لا، إذ إن مجرد مشاركة الشركة في السوق قد يكون كافيا لإخضاعها للضريبة، وهذا هو جوهر إصلاح الركيزة الأولى.
ويختلف هذا النهج الإصلاحي الجديد اختلافا جوهريا عن القواعد الضريبية القائمة منذ عشرات السنين، ما دفع بعض الاقتصاديين للقول بأن مفاهيم ضريبية واقتصادية جديدة يتم تأسيسها حاليا، وأن العملية ستصل إلى ذروتها في المرحلة المقبلة عندما يتم البدء في تحديد أسعار ثابتة لتوزيع الركيزة الضريبية بين دول الإقامة للشركات ودول السوق. نتيجة لذلك، ستفقد الدول الصناعية جزءا من محتويات صحنها الضريبي.
وتتمحور الركيزة الثانية لمشروع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ومجموعة العشرين على المنافسة الضريبية، وذلك بمنع الدول في جذب مزيد من الشركات عن طريق المنافسة بإغرائها في تقديم أدنى معدلات من الضرائب. ويتوقع أن يتم في نهاية هذه الاجتماعات الإعلان عن الخطوة التالية، وهي منع المنافسة الضريبية، التي توصف بأنها “سباق إلى القاع”، من خلال تطبيق معدلات الحد الأدنى للضرائب الدولية.
وهناك قضايا تقنية أخرى تقع في إطار هذه الركيزة منها، فرض ضرائب على الأرباح في مكان إيجاد القيمة الحقيقية.
وتقول لـ”الاقتصادية” كارول جوتري، عضو مكتب الاتصال والعلاقات في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إن “المسائل التقنية المتصلة بالركيزتين معقدة للغاية، والاختلافات في المصالح بين الدول هي أيضا أكبر مما نعتقد، وهكذا، فالولايات المتحدة، التي لديها “جوجل”، و”أبل”، و”أمازون”، و”فيسبوك” وغيرها من الشركات الرقمية، لا تقبل الركيزة الأولى (إعادة توزيع الأرباح) أي بفرض دولة السوق ضريبة إضافية على الشركات الرقمية. وينبغي ترك الأمر كحل اختياري للشركات.
وتضيف كارول أن اجتماع هيئة “الإطار الشامل” في باريس بنهاية كانون الثاني (يناير) الماضي كشف عن تناقضات أخرى، فعلى سبيل المثال، تدافع الدول الناشئة عن نفسها ضد الآليات الملزمة لمنع الازدواج الضريبي، وهي آليات أساسية لتشغيل الركيزة الأولى.
وسيعقد الاجتماع القادم للإطار الشامل في برلين أوائل تموز (يوليو)، وفي غضون ذلك، سيتعين اتخاذ قرارات حاسمة، على سبيل المثال بشأن رقم إعادة توزيع ضريبة الأرباح على دول السوق، وقبل كل شيء ضمان مشاركة الولايات المتحدة.
وفي حالة الفشل، سيكون من الصعب العثور على الدعم اللازم لهذا المشروع الطموح للغاية، إذ تتوقع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي مشكلات صعبة في هذا الحدث، بما في ذلك اندلاع الحروب الضريبية والتجارية.
ومن وجهة نظر أوساط الأعمال التجارية، فإنه من الضروري أن تقيم منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي الآثار، التي ستترتب على إصلاحها، وقبل اتخاذ القرار، يجب أن تنظر في تأثير ذلك في الإيرادات الضريبية لفرادى الدول، والاستثمار العالمي، والنمو الاقتصادي العالمي.
ويضع كثير من الاقتصاديين شكوكا حول إمكانية وضع تدبير موحد للعبء الضريبي الفعال في جميع أنحاء العالم، ويعتقدون أن مثل هذا الأمر يتطلب اتفاقا شاملا بشأن كيفية تحديد جميع الضرائب المدفوعة، وأيضا الأرباح الخاضعة للضريبة.
ويشير هؤلاء إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما زالت تسعى منذ أكثر من عقد من الزمن لإنشاء قاعدة ضريبية موحدة للشركات.
ولهذا سيبقى السؤال مطروحا حول مدى إمكانية توصل الدول الـ137 في “الإطار الشامل” لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إلى توافق في الآراء بحلول نهاية 2020.