نص خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة احتفالات البلاد بالذكرى ال 60 لاعياد الاستقلال

الأخبار السياسية
582
0

 

الخرطوم (سونا) – خاطب المشير عمر البشير رئيس الجمهورية مساء الأمس الامة السودانية بمناسبة ذكرى احتفالات البلاد بالذكرى ال 60 لاعياد الاستقلال
وفيما يلى  نص الخطاب :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

جماهير شعبنا الوفية …
الحضور الكريم … الضيوف الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ولنبدأ .. بتحية الرعيل الأول من الآباء المؤسسين لاستقلال بلادنا … ونحن نحتفل بالذكرى الستين للاستقلال المجيد .. تلك الثمرة الطيبة التي غرست شجرتها السواعد الفتية .. وروت جذورها دماء الشهداء الزكية.. لتقطف ثمارها جماهير أمتنا الأبية .. تلك المجاهدات الوطنية .. والملاحم البطولية التي جسدت روح التحرر من الاستعمار .. وكرست شعار ألا يعلو صوت فوق صوت الوطن .. وألا ترتفع نغمة حزبية .. ولا أجندة شخصية .. ولا نزعة قبلية .. يكفي النيل أبونا والجنس سوداني.. حتى ارتفعت راية استقلالنا .. وسطر التاريخ مولد شعبنا .. وتلاحم الجميع من أجل عزة الوطن وكرامة المواطن .. وخسر المستعمر الذي كان يراهن على بذر الشقاق بين أبناء الوطن الواحد ليظل جاثما على صدر هذا الوطن الأبي .. فخاب فأله .. وطاش سهمه .

فلنجدد التحية لرواد الاستقلال من النساء والرجال .. من جيل البطولات إلى جيل التضحيات .. التحية لهم ونحن نتفيأ ظلال غراسهم وطناً كريماً وشعباً عظيماً .

التحية لهم ونحن نسترشد بحكمتهم ونستلهم من ذكراهم الزاد لمسيرتنا القاصدة ، ونحيي تضحياتهم الجليلة .. ومواقفهم النبيلة .. فلولاهم لما كان الاستقلال ممكنا .. وليكن شعارهم شعارنا .. لنجسد تلك الأشواق على أرض الواقع . ونترجم تلك الروح في وثيقة جامعة مانعة تبقى شاهدا على مضاء عزمنا في أن يكون سوداننا وطنا واحدا يسع الجميع .. ولوحة زاهية تشكل الوحدة في التنوع بإذن الله .

إن الاحتفال بذكرى الإستقلال مناسبة للاعتبار من الماضي ، والتفكر والتدبر في حاضر الأمة ومستقبلها ، إذ أن تلك الروح التي اكتنفت جيل الإستقلال ، فحملتهم إلى التكاتف من أجل انجاز المشروع الوطني ، يجب أن تظل هاديا لنا في مسيرتنا ، ونبراسا يضيء دروبنا نحو الغايات الكبرى والمقاصد العظيمة ، فالدرس الأبرز والذي سيبقى شاهدا على عظمة امتنا ، هو تناسي الانتماءات الضيقة حين يتعلق الأمر بالوطن وبالأمة .. لذلك فإننا نتهز هذه الذكرى الطيبة لنكرر النداء ، ونجدد العهد مع كل الوان الطيف السياسي والمجتمعي بأن نعقد الخناصر ونشد الأواصر … لننبذ الولاءات إلا ولاءنا لوطننا ووفاءنا لأمتنا .. ونرسي معاً قواعد سيادة حكم القانون .. فالجميع أمامه سواسية .. إذ لا فضل لأحد على أحد إلا بصدق عطائه .. وصالح أعماله .. وسابق إخلاصه لوطنه ولأمته .

لقد واجه السودان من التحديات ما أكسبه خبرة واسعة خلال مسيرته المليئة بالصعوبات ، إلا أنه استطاع رغم ذلك أن يحقق نجاحات وطفرات باهرة ، صار قادر بها على تحقيق غايات المرحلة القادمة بإقرار السلام وإرساء قيم جديدة لإدارة الخلاف السياسي والمشاركة الواسعة في بناء الوطن.

إن عملية البناء الوطني لا تكتمل إلا بمناقشة القضايا الكبرى والتي وقف المستعمر حجر عثرة في طريق استكمال الحوار القومي حولها وعمل على زيادة الشقة بسياسته التي انتهجها .. فرق تسد ، فأورث فترات الحكم الوطني التي تعاقبت على حكم بلادنا مشاكل عديدة وتحديات جسيمة .. لم تترك لتلك الفترات متسعا من الوقت لترتيب الأولويات ومواصلة النقاش في أجندة قضايا الإستقلال فكان أن اطلقنا الحوار الوطني الشامل والحوار المجتمعي بلا استثناء لأحد .. ولا حجر على رأي ولا انتقاء لقضية .. وقد ألزمنا انفسنا بتهيئة المناخ ،، ودعونا الجميع للمشاركة .. وقدمنا الضمانات واوقفنا اطلاق النار وقفا شاملا لشهرين متتاليين ابداءً لحسن النوايا ولتشجيع حملة السلاح للجنوح للسلم. واعتماد الحوار سبيلا اوحدا لتحقيق المطالب ورد المظالم وإزالة المرارات . وطلقنا سراح المعتقلين ، وجددنا ترحيبنا بنشاط الأحزاب السياسية وندواتها العامة لا يردعها رادع ولا يحدها حد إلا ترتيب القانون والصالح العام .

وبهذه المناسبة العظيمة يسرني أن أعلن عن قرار الحكومة بتمديد وقف إطلاق النار شهرا آخرا مع تجديد الدعوة لحملة السلاح بالاستماع لصوت العقل والإنضمام لركب السلام والإلتحاق بالحوار الوطني الذي تديره ارادة سودانية خالصة تحت سقف الوطن وظلاله الوارفة ، الرقابة فيه للشعب ، والضمان للضمير الوطني ، وتنفيذ مخرجاته عهدا نوثقه مع الله ووعدا نقطعه للشعب .. وإننا لنزجي التحية والشكر للذين استجابوا لنداء الوطن ، وزينوا قاعات الحوار بالنقاش الهادف والآراء البناءة كما أعلن عن قرارنا تمديد الفترة لمؤتمر الحوار الوطني الذي كان مقررا أن يختتم في العاشر من يناير ، لمدة شهر آخر على الأقل .

المواطنون الكرام
الحضور الكريم

لقد ابتدرنا برنامجا للإصلاح الشامل ، وهو مشروع يقوم على مفهوم أن النهضة الشاملة لن يكتمل بنيانها إلا بإصلاح الشأن السياسي في بلادنا ، وإصلاح البيئة الحزبية من أجل تجاوز الشقاق حول الفروع وترك الأصول .. وننتظر من الأحزاب والجماعات المتحاورة ، أن تعمل على اعداد وثيقة وطنية تحدد فيها المصالح الاستراتيجية لأمتنا وتضع الأسس المتينة للبناء السياسي السليم بإعلاء الولاء الوطني على كل ولاء جزئي وتسليك قنوات الولاءات الجزئية لتكون رافدا مشروعا للولاء الوطني وترحيبا بسباق من أجل السودان لا من أجل الكيانات الجزئية ، أما المحور الآخر في الإصلاح فهو اصلاح الدولة والذي قطعنا فيه شوطا مقدرا بإقرار الشفافية في الأداء العام للدولة ، وتبني برنامج لمكافحة الفساد ، وتحقيق الطهر في التعامل مع المال العام ، وستصدر القرارات الخاصة بتكوين مفوضية مكافحة الفساد قريبا بعد ما اجاز البرلمان قانونها الحاكم ، وستمضي برامج إصلاح الدولة نحو غاياتها الكبري بتحسين تقديم الخدمات للمواطنين ، ومعالجة مظاهر الخلل في الخدمة المدنية وتطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بالإصلاح القانوني لأنه المدخل لإصلاح شأننا كله ، ولن يهدأ لنا بال حتى نستكمل تشييد كل ما من شأنه ترسيخ دولة القانون والمؤسسات .

وتجيء أولوياتنا في برنامج إصلاح الدولة بالاهتمام بمعاش الناس وضروريات حياتهم اليومية ، ولنا أن نحمد الله سبحانه وتعالي الذي جنبنا الانزلاق إلى الافلاس ، فقد كان الظن أن اقتصاد السودان سينهار بعد انفصال جنوب السودان ، ولكن الله الذي عنده خزائن السموات والارض دبر لنا من اسبابه ما جعلنا نتجاوز الصدمة بنجاح في البرنامج الثلاثي الذي هدف لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وكبح جماح التضخم اليومي ،
ونحن نحتفل بذكري الاستقلال المجيد نستذكر معكم جميعا حجم النجاحات التي حققها اقتصادنا في السنوات القليلة الماضية ، رغم الصعوبات والحصار الجائر الذي تفرضه قوى ظالمة دون أي مسوغ من القانون الدولي ، ولا مبرر من المنطلق خاصة وان السودان قد قام بكل التزاماته الدستورية الدولية والقانونية ، ولكن ظلت وعودهم سرابا لا نحسبه ماء ، لأننا خبرنا نواياهم ، وعرفنا طرائق تفكيرهم ، واعتمدنا على الله رب العالمين ، وها نحن ندخل العام الثاني من عمر الخطة الخمسية والتي تجيء تحت شعار دعم الإنتاج من أجل الصادر وتحسين مستوى المعيشة .. وذلك هو عماد برنامجنا الإنتخابي وسوف نولي هذه المسألة عناية فائقة ومتابعة يومية حتى ينطلق اقتصادنا نحو الآفاق الأرحب ونرد الجميل لشعبنا الذي صبر وصابر ورابط ونزف البشري لهم في هذا اليوم اننا سنتجاوز هذه الصعوبات بإذن الله العلي القدير من خلال خطة الحكومة الرامية لدعم القطاعات الإنتاجية في الزراعة والصناعة ، لسد الفجوة في الميزان التجاري بما يحقق الإستقرار لاقتصادنا الوطني ، والرفاه لشعبنا الكريم.

المواطنون الكرام

ان نعمة الامن التي بسطها المولي عز وجل لعباده من اهل السودان ، وسط عالم مليء بالإضطرابات الأمنية والسياسية هي ما يستوجب الحمد والشكر لله رب العالمين ، ولاشك أن الوسطية التي ظلت من السمات المميزة لابناء شعبنا الذي عرف بالتسامح ورفض الغلو والتطرف كانت هي السبب من بعد فضل الله تعالى في بقاء السودان بعيدا عن مزالق العنف والكراهية ومن هنا تجيء دعوتنا بضرورة إصلاح المؤسسات الدولية ورفع الظلم عن الشعوب المقهورة ، وإنهاء الاحتلال والاستيطان وفقا للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة .

الاخوة والاخوات الكرام

لقد ظلت سياسة السودان الخارجية ثابتة في مواقفها المعلنة من عدم التدخل في شؤون الآخرين ، وانتهاج سياسة حسن الجوار واحترام سيادة الدول وبهذا اصبحنا مركزا يتلاقى فيه الاخوة والأشقاء وصارت بلادنا وسيطا مقبولا في الكثير من النزاعات الإقليمية ، كما شهدت علاقاتنا نموا متطورا مع الاشقاء والاصدقاء وهذه تحية خاصة للمملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا دوليا لإعادة الشرعية في اليمن ، وكان موقفنا تضامنا لأهمية الاستقرار في كل الدول العربية والتحية للإمارات العربية المتحدة والكويت ودولة قطر الشقيقة وغيرها من الدول العربية والافريقية و الآسيوية التي تدعم بلادنا وتتسق مواقفها معنا في المنابر الإقليمية والدولية ، ونقدر للإتحاد الإفريقي دوره وتفاعله من اجل معالجة قضايا دول القارة في البيت الإفريقي
عالميا اعتمدنا سياسة خارجية قائمة على الإنفتاح والتوازن والتعاون من أجل عالم يسوده العدل والديمقراطية ، وإننا لم نأل جهدا في المساهمة في استتباب الامن وبسط السلام في محيطنا المباشر والحيوي ، وأولينا اهتماما خاصا بدبلوماسية التنمية والتجارة والاقتصاد والاستثمار ، وسنواصل دبلوماسيتنا في تقوية الروابط والمصالح المشتركة والمساهمة في استقرار الشعوب ودولها ، وفي هذا المقام نؤكد دعمنا لعودة الاستقرار والسلام في جمهورية جنوب السودان ، مؤكدين حرصنا على إنفاذ الاتفاقيات الموقعة معهم ومساندتنا للإتفاق الذي تم بين طرفي النزاع هنالك.

الاخوة الأعزاء..

ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال نحيي مجاهدات قواتنا المسلحة الباسلة التي تحمي تراب الوطن وتسطر البطولات النادرة ، من أجل رفعته وعزته وكرامته ، ونحن نعي أن ميدان المعركة اليوم ليس فقط في مسارح العمليات الحربية ، فالعدو يتربص بنا بتثبيط الهمم ، وزرع اليأس في النفوس ، لأنه يريدنا أمة يسيطر عليها الإحباط حتى لا نكون أمة منتجة ، والتحدي الذي يواجهنا هو في مقاومة هذه المحاولات الخبيثة المستمرة في استنهاض شعبنا للعمل والإنتاج تلبية لنداء الواجب الذي لانريده أن نحيد عن صراطه ابدا ، ولأجل ذلك فإني ادعو أجهزة الإعلام المختلفة أن تستلهم من الاستقلال أعلى معانيه ، وان تجرد حملة للبناء الوطني هدفها صالح الوطن ومستقبله وأن تكون في قلب المعركة فالإعلام هو السلاح الأكثر مضاء في عالم اليوم .

يتزامن الاستقلال مع طرح أكبر مشروع للتنمية البشرية في تاريخ بلادنا ،، ببرنامج يركز على الخدمات الاساسية للمواطنين بدءا بالتعليم خاصة التعليم الاساسي الذي تضاعفت ميزانيته اكثر من مرة وتوفير تمويل عبر القرض السعودي وقيمه البنك الدولي بأكثر من 150 مليون دولار .. وبرنامج الرعاية الصحية الأولية الذي تضاعفت ميزانيته أكثر من ثلاثة اضعاف ( من 840 مليون إلى 2.1 مليار جنيه سوداني ) للعام 2016م ودخول 500 وحدة صحية جديدة ، وتأهيل كامل لعدد 200 مستشفى ريفي ، وإنشاء حوالى 20 مستشفى مرجعيا ، ومركزا متطورا للتشخيص ، هذا بالإضافة لمشروع مياه الشرب الذي يسعى لحل مشكلة مياه الشرب نهائيا ، والذي تم توفير التمويل له من الميزانية والدعم من الاشقاء بالمملكة العربية السعودية ودول الإمارات وقطر والكويت .

يتزامن الاستقلال كذلك مع مشروعات الري الكبرى بعد اكتمال الخزانات ، ونتوقع مضاعفة المساحات المروية بحوالي 4 ملايين فدان أي ما يعادل كل ما تم انجازه خلال العقود الستة من الاستقلال .

وسوف يستمر العمل في مشروعات البنى التحتية من الطرق والكباري لتهيئة الاستثمار في موارد السودان الضخمة في الزراعة والنفط والتعدين ، واستثمار النهضة المعلوماتية ، والاستمرار في برامج إصلاح مؤسسات الخدمة المدنية لتحقيق الفعالية في الأداء

المواطنون الكرام
الاخوة الحضور

إن الاستقلال الحقيقي هو في استلهام المعاني العظيمة بالانتماء الصادق للوطن ، والإخلاص في خدمته بما يحقق الأهداف الكبرى في التنمية والبناء .

فالمزارعون في مشاريعهم يحققون الاستقلال بمضاعفة الإنتاج والإنتاجية .. والصناع في مصانعهم يرسخون قيمة الاستقلال بالاجتهاد والاتقان ، والعاملون في الخدمة المدنية والعلماء والأساتذة هم ركائز الدولة بإخلاصهم وتفانيهم والشباب والطلاب هم وقود هذه الأمة وأملها المرتجى .. والمرأة نصف المجتمع بعطائها نستكمل استقلالنا الحقيقي.

وقبل أن اختتم هذه الكلمة ادعو الله ان يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم وأن لا يجعل لأحد غيره فيه نصيب .. فإننا نرجو ما عند الله ونسأله أن يزيد بلادنا ورحابها رفعة ونورا .. وأن يجعل عباده من اهل السودان منارة للعزة والكرامة والشجاعة والشهامة وان يحفظنا جميعا من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يرحم آباءنا وامهاتنا من الذين ارسوا لنا دعائم الاستقلال لتعيش بلادنا أبية سخية .. وآمنة ومتحضرة ومتطورة وتتخذ مكانها اللائق بين الأمم

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته