مأزق واشنطن ما بين الثورية وقطاع الشمال!!

الاخبار العالمية
401
0

على غرار العديد من التحالفات التي أنشأتها واشنطن لأغراض إستراتيجية معينة ثم ثبت لها – في منتصف الطريق – أن الأساس الذي تم البناء عليه هش وضعيف وأن المبنى إما أنه غير آمن أو أنه لا فائدة منه، فإن ما يُسمى بالجبهة الثورية إحدى المنشآت الأمريكية الهشة ثبت بشأنها ذات الأمر وتم اكتشاف خلل بنيوي في صناعتها.

الأمر بدأ واضحاً منذ أن بدأت المفاوضات بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال في العام السابق 2013 وظل موضعاً لجدل متطاول في كل المفاوضات اللاحقة بما في ذلك المفاوضات الأخيرة التي جرى تعليقها – بإيعاز أمريكي – لأجل غير مسمى!!.

لقد كان واضحاً أن ياسر عرمان أضطر اضطراراً لاصطحاب رفقائه في الثورية من قادة الحركات الدارفورية المسلحة إلى أديس أبابا وهو يعلم مسبقاً أن (تذاكر الدخول) التي بحوزته لا تتيح لهم الدخول إلى قاعة التفاوض.

المبعوث الأمريكي الخاص (دونالدموث) الذي يشعر بحنق شديد حيال تعامل الحكومة السودانية معه وإغلاق الباب في وجهه كان هو الآخر حائراً جراء الموقف، فقد سعت إدارته قبل نحو من عام ونيف إلى تأسيس منبر تفاوضي لقطاع الشمال، ربما استنساخاً لتجربة نيفاشا 2005 أو ربما بحثاً عن طريقة آمنة للمحافظة على الحركة الشعبية داخل السودان حتى بعد انفصال جنوب السودان!

المهم عملت واشنطن على صك قرار دولي مثير للدهشة والارتياب أقحمته إقحاماً في القرار (2046) بقيام مفاوضات – تحت رعاية الآلية الإفريقية الرفيعة – بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال! والغريب أن واشنطن وهي تدفع بالقرار وتضغط أعضاء مجلس الأمن بتمريره كانت تعرف أن القطاع هذا هو في الواقع جزء من القوى السياسية السودانية. وكانت تدرك أيضاً أن قضية إقليم دارفور، وقضية قطاع الشمال ليسا على وتيرة أو ملمح واحد سواء من ناحية المنبر، أو من ناحية معطيات الحل أو حتى من ناحية المخرجات النهائية ولم تفاجأ واشنطن كعادتها بأن هناك (تقاطعاً) مفصلياً بين فرقاء الجبهة الثورية.

إلا حين اصطدمت بحاجز اللغة السياسية في أديس أبابا!!. اضطرار عرمان لأصطحاب عبد الواحد وميناوي وجبريل إبراهيم وغيرهم من قادة دارفور إلى أديس أبابا، هو في حد ذاته كان تأكيداً من عرمان أن إنشاء الثورية كان في الواقع خطأً استراتيجياً مهولاً، فلا القطاع – وحده – قادر على إنجاز مفاوضات تفضي على وضع أفضل بالنسبة له ولا الثورية لديها شرعية سياسية كاملة لكي تتفاوض في منبر أديس أبابا إذ أن أي إحتجاج بضرورة التفاوض مع الثورية يصطدم مباشرة وعلى الفور بمنطوق القرار 2046 الذي لا يحتمل أي تفسير آخر يتيح للثورية دخول مضمار التفاوض!

ولهذا وحين إكتشف المبعوث الخاص (بوث) أن الأمر فيه خلل كبير، لم يجد مناصاً إلا بالطلب إلى عرمان بألا يوقع على الخارطة الإطارية للمفاوضات التي تم التوصل إليها بشق الأنفس!

لقد خشيت واشنطن من أن تمضي المفاوضات بالقطاع وحده وهو- بحالته الراهنة البائسة على الأرض وفي الميدان – لن يُسمن أو يغني من جوع!، هي في الواقع عبقرية المسئولين الأميركيين الذين يخططون لأمر ويفاجئوا بأمر آخر ولعل أصدق مثال حي وطازج في هذا الصدد، التحالف الذي جرى بناؤه على عجل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ففي خضم العمليات العسكرية الصعبة اكتشف الرئيس أوباما وقادته العسكريين ليس فقط صعوبة إلحاق الهزيمة بالتنظيم ولكن الأدهى وأمر أن هذا الجهد الشاق المستفيد الأكبر منه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، هكذا هي الذهنية السياسية الأمريكية تسرع في بلورة الفكرة وتسرع آخر في تنفيذها ثم الحيرة حيال اكتشاف ثقب في العجلة!!

الآن واشنطن بطريقة أو بأخرى عرقلت العملية السلمية في السودان، وحرمت سكان المنطقتين من الأمن والاستقرار لأسباب تبدأ وتنتهي بمصالحها غير المدروسة بعناية من جانبها!!

نقلا عن سودان سفاري