قطاع الشمال ومحاولة إنزال فاشلة خلف خطوط الخرطوم!

الاخبار العالمية
438
0

ما من شك أن عملية تبادل الأسرى التى إبتدرها قطاع الشمال مؤخراً مع منظمة (سائحون) وبغض النظر عن قيمتها السياسية والعملية هي فى المحصلة النهائية محض مناورة تحاول من خلالها الحركة الشعبية قطاع الشمال تجميل وجهها السياسي محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومن جانب آخر فإن العملية أيضاً لا تعدو كونها محاولة إحداث اختراق داخلي للنواة السياسية الداخلية في السودان عبر تشتيت أنظار المكون السياسي الحاكم، وتفتيت تماسكه، إذ المعروف بداهة أن عمليات تبادل الأسرى وفق القوانين والأعراف الدولية تستلزم اشتراطات عديدة تتطلب اتخاذ قواعد معينة، لا أن يكون الأمر محض وعود مرسلة قيلت فى مناخ تفاوض ما يزال حتى الآن غير واضح التفاصيل والمعالم.
صحيح هنا أن منظمة سائحون – وهي قطعاً ليست جهة حكومية، ربما راق لها المشروع بصفة عامة كونه يحقق أهدافاً مهمة وهذا أمر مطلوب وتستحق عليه سائحون الثناء والتقدير؛ ولكن من المؤكد أن الخطوة كانت وما تزال بحاجة إلى مجموعة إجراءات متعارف عليها دولياً وبعلم وإشراف الصليب الأحمر، ولكن بالمقابل فإن عرمان هو صاحب الفكرة ولم يكن فى الواقع يهدف إلى إدخال السرور على أسر وعائلات الأسرى. كما أنه -سياسياً وإنسانياً- أبعد ما يكون عن مجموعة سائحون إن لم يكن عدوها اللدود فيما مضى إبان الحرب الطاحنة فى الجنوب وحالياً فى الحرب الدائرة فى المنطقتين!
ولهذا فإن اكتشاف أهداف عرمان من وراء هذه الخطوة أمر حيوي وعلى جانب كبير من الأهمية؛ فمن جهة أولى فإن الرجل الذي استشعر صلابة الوفد الحكومي المفاوض فى أديس بقيادة مساعد الرئيس، البروفسير إبراهيم غندور وبقية الأعضاء وجرّب كل الحيل التى خبرها والتي اكتسبها بلا جدوى، واضطر للجوء إلى حيلة إنسانية هدفه منها مزدوج: الظهور بمظهر إنساني وفى ذات الوقت كسب أو حتى (تحييد) عناصر مهمة من المكون السياسي الداخلي للحكومة السودانية؛ ومن جهة ثانية فإن عرمان الشديد الإصرار فى عدد من الجولات السابقة على ضرورة تقديم الملف الإنساني وإعطاؤه الأولوية ربما أراد جرّ الحكومة السودانية جراً إلى هذا الملف حتى يضمن -آجلاً أم عاجلاً- تأييداً دولياً في ما تبقى من ملفات التفاوض.
والواقع هذه النقطة أثيرة جداً على عرمان على وجه الخصوص وقيل انه ظل يتباهى بها يعتبرها واحدة من عبقرياته التفاوضية. ومن جهة ثالثة، فإن شعور قادة القطاع جميعاً بأنهم من المستحيل أن يحققوا اختراقاً فى مفاوضاتهم بمعزل عن وجود عناصر دارفور المسلحة معهم فى المفاوضات دفعهم إلى تحويل دفة التفاوض إلى وجهة أخرى مغايرة تماماً عسى ولعل!
غير أن المؤسف في الأمر أن هذه الحيل لم تؤتي أكلها حتى الآن ولا نغالي إن قلنا إنها لن تؤتي أكلها أبداً، فعوضاً عن أن الحكومة السودانية تبدو مدركة تماماً لهذه الحيلة الماكرة وتسبر غورها بمهارة، فإن الحيلة نفسها باهظة الكلفة، إذ أن مجرد عرض الأسرى ونزع الألغام يعني أن قطاع الشمال ليس لديه أو بالأحرى لم يعد لديه أصلاً ما يخسره، ففي ميدان القتال ذاق الأمرّين وينتظره الصيف الحسام المقبل، كما أن جولة التفاوض المقبلة مقرر لها شهر يناير الجاري على أية حال، وهو الأمر الذي يجعل من كل هذه التكتيكات محل اختبار صعب فى غرف التفاوض الرسمية!
لقد أراد عرمان فى الواقع القيام بعملية إنزال خلف خطوط الحكومة السودانية في الخرطوم ولكن فيما يبدو لم يكن الطقس مواتياً!
تحليل : سودان سفاري