رغم الإحلال التكنولوجي ستحداث 100 مليون وظيفة

يصاب عديد من الأشخاص بالانزعاج أو القلق، عند معرفتهم بأن بعضا من المهن التي تقع في الوقت الحالي ضمن مجموعة الوظائف المرموقة والآمنة، لحاجة المجتمع إليها، ولطبيعتها التي تتطلب أعواما طويلة من التعليم والتدريب مثل الطب والهندسة، قد تتقلص بعض فروعها جزئيا في الأعوام المقبلة، وأن مهنا أخرى باتت منذ الآن مهددة بالاختفاء نتيجة التطور التكنولوجي.
فخلال الـ100 عام الماضية، حلت الآلات محل العمال في عديد من المهن والمهام، وأطاحت التكنولوجيا بعديد من الوظائف، لكنها أوجدت في الوقت ذاته وظائف أكثر مما ألغت.
وأدى التقدم المعرفي والتكنولوجي إلى تغيرات ملموسة في مستويات المعيشة والرعاية الصحية، ومتوسط العمر المتوقع، والتعليم، فارتفعت الدخول، وزادت قدرة الإنسان على السفر والترحال، وزادت معها القدرة على اختيار الوظيفة الملائمة، خاصة مع اتساع سوق العمل وتمددها محليا وإقليميا ودوليا.
ومع ذلك، لا تزال العلاقة بين التكنولوجيا والتوظيف مشكلة أساسية في الاقتصاد العالمي، ومحورا لنقاشات واسعة النطاق ومستفيضة بين السياسيين والاقتصاديين، وما زال الحديث، كما كان قبل مائة عام، هل يمكن أن تؤدي التكنولوجيا إلى زيادة معدلات البطالة أم خفضها، وإلى أي مدى يمكنها إعادة صياغة وتشكيل سوق العمل.
الأمر المؤكد من الخبرات الإنسانية المتراكمة، هو أن سوق العمل العالمية تتميز دائما بالحركة والتغير، وأن المخاوف من التأثير السلبي للتكنولوجيا على الطلب على العمل، وزيادتها لمعدلات البطالة مخاوف مبالغ فيها حتى الآن على الأقل من وجهة نظر عديد من الخبراء.
في هذا السياق، تقول لـ”الاقتصادية”، الباحثة تريسي ماك وايت من منظمة العمل الدولية، إن “العامل الأساسي في تحريك سوق العمل، وزيادة فاعليته وحيويته، وإيجاد الاستقرار فيه، يعود إلى القدرة التنافسية للاقتصاد، عبر دعم الابتكار ومزيد من الأتمتة، بما في ذلك الاعتماد على آخر منجزاتها، وفي مقدمتها الذكاء الصناعي”.
وبالطبع سيكون من الإجحاف إنكار أن التقدم التقني أحدث في كثير من الأحيان اضطرابات في سوق العمل، وربما تكون النظرة السلبية للبعض بشأن التأثير السلبي للتقدم التكنولوجي على معدلات التوظيف، لها ما يبررها في الوقت الراهن، فعدم اليقين يسيطر على الاقتصاد العالمي.
وتبدو الرأسمالية العالمية في حالة من الارتباك والقلق الداخلي، مع عجز ملموس في تقديم إجابة قاطعة وحاسمة على تساؤلات كبرى ذات طابع وجودي للبشرية، وكل هذا العجز في وقت لا يواجه فيه النظام الرأسمالي تحديا حقيقيا من منظومة اقتصادية منافسة تطرح نفسها كبديل له.