الاقتصاد التركي يتجه إلى مزيد من التراجع

إلى أي مدى يمكن أن يصمد الاقتصاد التركي أمام العقوبات الأمريكية؟ هل يمكن للولايات المتحدة المضي قدما بالفعل وتدمير الاقتصاد التركي كما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إذا ما واصل الرئيس أردوغان “المضي قدما في هذا الطريق الخطير والمدمر” على حد وصف الرئيس الأمريكي؟
وما الآلية التي يمكن أن يلجأ إليها الجانب الأمريكي لتدمير الاقتصاد التركي؟ وما البدائل المتاحة أمام أنقرة للتعامل مع تلك الضغوط الاقتصادية؟ وما الدلالات الاقتصادية لفرض عقوبات أمريكية على وزراء الطاقة والدفاع والداخلية الأتراك الذين باتوا ممنوعين الآن من إجراء أي معاملة مالية دولية بالدولار؟ وهل ذهبت أحلام أردوغان بأن يكون لاعبا رئيسا في التنقيب على الغاز شرق المتوسط وتطوير الصناعات العسكرية، أدراج الرياح بعد أن طالت العقوبات الأمريكية وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين؟
في الواقع، فإن التوغل التركي في الأراضي السورية، كان متوقعا منذ أعوام، ولم تخف أنقرة رغبتها الدائمة في الاستيلاء على الشمال السوري بدعاوى متعددة، لكن إلقاء مسؤولية معاناة الاقتصاد التركي على عاتق العقوبات الأمريكية والأوروبية، قد يجافي الحقيقة في بعض الأحيان، فقبل بدء العدوان كانت الحالة الاقتصادية التركية تترنح وتتفاقم المشكلات الاقتصادية يوما بعد آخر، وذلك وفقا لعديد من المؤشرات التركية الرسمية.
لذا، بمجرد صدور تصريحات الرئيس دونالد ترمب، تراجعت قيمة الليرة التركية وارتفعت قيمة المخاطرة الاستثمارية في تركيا، لتتجدد المخاوف المالية مرة أخرى، وتضعف الآمال في حدوث انتعاش اقتصادي بعد عام تقريبا من الركود والآنكماش.
وتطرح قضية التكلفة المالية للعملية العسكرية التركية تساؤلات حول تأثيرها في الميزانية العامة، وتفاقم العجز المالي، وإلى أي مدى ستعزز الاتجاهات الاقتراضية للنظام الاقتصادي التركي.
وقال لـ”الاقتصادية” الخبير الاقتصادي إل. راسل، “الأمر لا يتعلق فقط بالعجز المالي المتفاقم، لكن يجب الأخذ في الحسبان تكلفة الفرصة البديلة، والفائدة التي كانت ستعود على الاقتصاد التركي والمواطن التركي إذا وجهت الأموال التي أنفقت على العملية العسكرية، واحتلال الأراضي السورية، وقتل الأكراد، لنشاط اقتصادي منتج، أو لإصلاحات هيكلية، أو تطوير البنية التحتية”. ومع تنامي حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تجتاح الاقتصاد التركي حاليا، فإن التوجهات الادخارية في المجتمع تخلت عن الليرة وانصبت أكثر على العملة الأمريكية الدولار.
ومنذ بداية العام حتى الآن، تراجعت الليرة التركية بنحو 12 في المائة، وخلال هذا الشهر فقط فقدت 5 في المائة من قيمتها، وفي الأيام الماضية تراجعت بشدة، بحيث كانت العملة الأسواء أداء على المستوى الدولي الأسبوع الماضي، وأمس الأول فقدت نحو 0.8 في المائة من قيمتها لتصل إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار في خمسة أشهر، وبلغت 5.94 ليرة لكل دولار مقابل 5.6 قبل العملية العسكرية.
من جانبه، أوضح لـ”الاقتصادية” الخبير المصرفي جورج اندروا، “البنوك التركية تبيع حاليا وبشكل ثابت الدولار لمنع الليرة من الآنهيار بشكل سريع”.
وأضاف، لكنهم لن يستطيعوا القيام بذلك لفترة طويلة، حيث إن تجربة روسيا أكبر مثال بعد أن رغبت في الحفاظ على قيمة الروبل في مواجهة الدولار فخسروا نحو 450 مليار دولار”. وحول المستقبل، يتوقع جورج اندروا مزيدا من الآنهيار في قيمة الليرة التركية لتصل إلى نحو 7.50 في مواجهة الدولار.
وفي الواقع، فإن العملة التركية أحد أبرز نقاط ضعف الاقتصاد التركي، حتى الاستقرار الذي شهدته الليرة التركية خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن فقدت نحو 30 في المائة من قيمتها العام الماضي، عده صندوق النقد الدولي “استقرارا هشا” نتيجة المخاوف المتعلقة بديون الشركات، وانخفاض احتياطي العملات الأجنبية، وسط توقعات بأن يتسارع معدل انخفاض الاحتياطي النقدي التركي الآن، نتيجة بيع البنوك المحلية جزءا كبيرا من احتياطياتها الدولارية، للحفاظ على قيمة الليرة.
بدوره، يشككك الخبير الاستثماري سميث وايت، في أن يكون انخفاض الليرة التركية مدعاة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى سوق الأسهم التركية.
وقال وايت لـ”الاقتصادية”، “قبل الوضع الراهن والضغوط الأمريكية والأوروبية، كان هناك عديد من المؤشرات على فقدان المستثمرين الأجانب شهيتهم للاستثمار في الاقتصاد التركي، وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام شهدت البورصة التركية استثمارات أجنبية صافية بقيمة 1.6 مليار مقابل 2.3 مليار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، كما أن هناك عديدا من المؤشرات على أن الاقتراض في الاقتصاد التركي بات أكثر تكلفة وصعوبة وخطورة”.