نص خطاب المشير عمر البشير رئيس الجمهورية أمام اجتماع المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي

الأخبار السياسية
589
0

 

 

الخرطوم (سونا) – فيما يلي نص خطاب المشير عمر البشير رئيس الجمهورية أمام اجتماع المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي في دورة الانعقاد 2015م.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي خاتم رسل الله نبينا ممدع الصادق الأمين وعلي سائر إخوانه أنبياء الله والمرسلين.

السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته.

يطيب لي أن أخاطب مجلسكم الموقر وهو ينعقد لتقويم أداء الثلاث سنوات الأولي من عمر الخطة الخمسية الثانية ( 2012 – 2016م) والذي أخذ الطابع الإصلاحي مرتكزا علي البرنامج الثلاثي الذي تم تصميمه لامتصاص آثار انفصال جنوب السودان والأزمات المالية، ما اقتضي الأمر مضاعفة الجهود لتحقيق رؤيتها التي أشارت لبناء جمهورية ثانية قائمة علي التوافق الوطني والتعايش السلمي والرقي الاجتماعي والدولة الصاعدة التي تحقق الحرية والمساواة والكفاية ، مستقاة من رؤية الخطة الربع قرنية: استكمال بناء أمة سودانية موحدة آمنة متحضرة متقدمة متطورة. موحدة بالتوافق الوطني آمنة بالتعايش السلمي. متحضرة بالرقي الاجتماعي متقدمة بتحقيق الكفاية متطورة بالصعود نحو مجتمع الحرية والمساواة. ولبلوغ مقاصدها في بسط السلام، والحفاظ علي الوحدة وتحقيق التنمية.

من المراجعة الإستراتيجية للأداء في العامين الأولين ومسار تحقيق مفردات الرؤية تبنينا مبادرة للحوار الوطني موجهين الدعوة لكل القوي السياسية والاجتماعية المسالمة منها والتي تحمل السلاح للمشاركة فيه وذلك إيمانا منا بأن مهمة تحقيق التوافق الوطني والتعايش السلمي اللذين نادت بهما رؤية الخطة الخمسية الثانية ليست مهمة فريق واحد، بل هي مهمة جميع الفرقاء.

الأخوة والأخوات أعضاء المجلس:

تأتي دورة الانعقاد هذه في وقت تشهد فيه البلاد انطلاق عملية الحوار الوطني، وهو حوار نرجو أن يفضي للتوافق علي رؤية وطنية لتشكيل المستقبل السوداني وفق إرادتنا الوطنية دون إملاء أو وصاية من أحد، ونحن ندرك أن تشكيل مستقبلنا في ظل تطورات الإقليم الذي يموج بالاستراتيجيات الأجنبية التي تسعي لتأسيس واقع جديد يعبر عن مصالحها أكثر من كونه يعبر عن مصالح الدول في المنطقة، وهذا ما يشكل تحديا لعملية الحوار حيث أن طبيعة المهددات والتعقيدات الراهنة والمتوقعة في المستقبل تؤثر في الواقع علي الدولة وليس الحكومة وليس علي حزب معين، وكلنا يشهد الآن محاولات تفتيت العالم العربي وإضعافه.

الأخوة والأخوات أعضاء المجلس

نتطلع أن يخرج الحوار بوثيقة ترتكز علي مبدأ أن السودان وطن واحد جامع تكون فيه الأديان والثقافات مصدر قوة وتوافق وإلهام والسيادة للشعب تمارسها الدولة طبقا لنصوص الدستور والقانون، تستمد سلطة الحكم وصلاحياته من سيادة الشعب وإرادته التي تمارس عن طريق الاستفتاء والانتخابات الحرة المباشرة والدورية.

وثيقة تحدد الثوابت الوطنية التي يجب أن يتقيد بها الجميع، وتكون هادية لوضع الدستور ووضع الخطط الإستراتيجية للدولة بما يحقق التوافق الوطني والتعايش السلمي والرقي الاجتماعي. تضع الغايات العظمي التي ينشدها الجميع، وتحشد طاقات الدولة والمجتمع كافة نحو الأهداف الكلية والغايات الاسمي المتفق عليها، وتحدد نمط تفاعلها مع عالمها وبيئتها. كفاتحة تطور جديد في مسار البلاد، لتجاوز مرحلة الصراع والأزمات الآنية والظرفية إلي آفاق النهضة الحضارية الشاملة.
نريد الخروج بوثيقة تكون بمثابة عهد بين كافة أهل السودان التزاما من جانبهم بان يحترموا حقوق الإنسان والحريات الأساسية المضمنة في الدستور وأن يعملوا علي ترقيتها، وتعتبر حجر الأساس للعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية في السودان وأن تحمي الدولة هذه الوثيقة وتعززها وتضمن تنفيذها.

نريد الخروج بوثيقة تنظم التشريعات والحقوق ولا تصادرها أو تنتقص منها. وتمكن من تحديد مناهج وأساليب إدارة التنوع الثقافي والاجتماعي للشعب السوداني ، هذا التنوع الذي يمثل أساس التماسك القومي، ولا يجوز استغلاله لإحداث الفرقة.

وثيقة تحدد كيف يطور الاقتصاد الوطني بغرض تحقيق الرخاء عن طريق سياسات تهدف لزيادة الإنتاج وبناء اقتصاد كفء معتمد علي ذاته. وتعزز دور الدولة في تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي ، كل في إطار الخطط والمنابر الإقليمية القائمة وتعزيزالوحدة الأفريقية والعربية كما هو مرسوم في تلك الخطط.

الأخوة والأخوات

إن استكمال بناء الدولة السودانية لا يتم إلا عبر عمليات بناء استراتيجي منتظم ومستمر مهما تعاقبت الحكومات، بالالتزام التام بتنفيذ البرامج والمشروعات المحددة في الإستراتيجية، ليتم التباين بين الحكومات المتعاقبة في مستوي وسائل وآليات التنفيذ والأولويات وما إلي ذلك ، كما أن الصراع الاستراتيجي الذي يقع السودان في مسرحه، هو نوع من الصراع لا يمكن مواجهته إلا باستراتيجيات، كل ذلك يحتم علينا التوافق علي خطة للدولة السودانية ، أي وثيقة تحدد غايات الدولة وأهدافها ومرتكزاتها الإستراتيجية، وهي عملية سنتمكن عبرها من إجهاض التوجهات الأجنبية المضادة التي ظلت تسعي لشغل الدولة منذ الاستقلال بإطفاء الأزمات المتلاحقة.

الأخوة والأخوات أعضاء المجلس، ،

آن الأوان لكي نتوافق علي خطة إستراتيجية قومية تعبر عن الدولة السودانية وتعبر عن الوجدان الوطني، نحافظ عبرها علي وحدة التراب والشعب ونتمكن عبرها من تحقيق غاياتنا الوطنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية فضلا عن التأسيس لحقوق الأجيال السودانية القادمة. لذلك أدعو كل الأطراف السياسية والمجتمعية للاستجابة لهذا التحدي والارتقاء فوق المرارات والمصالح الضيقة حتي نتمكن معا من وضع اللبنة الأولي والأساسية للتأسيس لمستقبل سوداني أفضل يجد فيه كل مواطن سوداني نفسه.

الأخوة والأخوات

إننا نعمل علي إبرام عقد اجتماعي يقبله ويرضاه ويتشرف به الجميع وتتم بموجبه إدارة الدولة وتحقيق المصالح الوطنية التي تعبر عن الجميع ، وتعبر عن تطلعات القوي السياسية الصاعدة، مع تصاعد صراعها السياسي حول السلطة وصراعاتها الداخلية، إن الخلل في الانتماء الوطني وتباين المشاعر الوطنية الناجم عن سوء تطبيق بعض التشريعات وسلبية السلوك الذي لا يفرق بين الدولة والحزب والقبيلة والجهة ، مقرونا مع تنامي الكيانات السياسية والعسكرية القائمة علي القبلية والجهوية التي أفرزتها الصراعات، أضعفت الوشائج القومية وعززت من الولاءات القبلية، فلا بد من الارتقاء بالوعي القومي والحس الوطني.

عليه أوجه باستيفاء الترتيبات المطلوبة لتامين الإستراتيجية لتصبح مرجعية للأداء الوطني، كما أوجه بإعادة هيكلة وتنظيم وتطوير الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي لتشكل العقل الاستراتيجي للدولة ، بما يمكنها من الاطلاع بدورها تجاه الإستراتيجية الوطنية بالمستوي المطلوب وتقديم العون الفني والمهني المتخصص الذي يمكن القيادة العليا من رعاية المسار الاستراتيجي للدولة.

الأخوة والأخوات

إن تحويل مخرجات الحوار الوطني إلي واقع لا يمكن أن يتحقق إلا إذا عبّرت خطط الدولة عن مضامينها ومعانيها، عليه فإنني أوجه الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي بالاستعداد لتطوير الإستراتيجية القومية حتى تعبر عن ما يتم التوافق عليه، لتصبح خطة قومية شكلا ومعني ملزمة للجميع.

الأخوة والأخوات

كنت قد تحدثت في خطابي أمام المجلس القومي في العام الماضي عن أهمية التوفيق بين منهج التخطيط الاستراتيجي والنظام السياسي للدولة حيث حدد الدستور عمر الحكومة بخمس سنوات، وكما تعلمون فقد انطلقت الإستراتيجية القومية في 2007 من خلال خطط مرحلية، انتهت الأولي منها في ديسمبر 2011 لتتزامن مع الفترة الانتقالية بعد اتفاقية السلام لتبدأ الخمسية الثانية في 2012 وحتى 2016م لتبدأ الخطة الخمسية الثالثة في 2017 وتنتهي في 2021م. وبما أن الحكومة الحالية ينتهي أجلها وتفويضها في يونيو 2020م. عليه وإعمالا للمبادئ الديمقراطية أوجه الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي بالتعاون مع الجهات المعنية في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء للتوفيق بين توقيتات الخطط المرحلية وفترات التفويض للحكومات، لتبدأ الخطة الثالثة في 2017 مستصحبة مخرجات الحوار، لتنتهي في 2020م حيث ستنتخب حكومة جديدة.

الأخوة والأخوات أعضاء المجلس

أرجو لجلستكم أن تكون فاحصة مدققة في التقرير الذي بأيديكم، والخروج بتوصيات علمية وموضوعية، تأخذ بمشاركة الأعضاء في المداخلات والمناقشات ، وأنتم تؤدون هذا العمل المهم متزامنا مع فعاليات الحوار الوطني الذي ننتظر مخرجاته لتطوير الإستراتيجية ولتخرجوا بموجهات إعداد الخطة الثالثة من الإستراتيجية الربع قرنية، تبقت أمامنا خطة عام 2016م وهي بمثابة العام الأخير من عمر الخطة الخمسية الثانية ، ثقتنا في الله كبيرة في أن نوفق في تحقيق رؤيتها التي تنادي ببناء جمهورية ثانية قائمة علي التوافق الوطني والتعايش السلمي والرقي الاجتماعي للدولة الصاعدة نحو تحقيق الكفاية والرفاه.

وفقنا الله وإياكم لما فيه خير العباد والبلاد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته