نص بيان وزير الخارجية في الدورة ال(70) للجمعية العامة للأمم المتحدة

الأخبار السياسية
391
0

نيويورك (سونا) – قدم بروفيسور ابراهيم غندور وزير الخارجية رئيس وفد السودان للدورة (70) للجمعية العامة للأمم المتحدة امس بيان السودان امام الجمعية الامة للامم المتحدة بنيويورك .
وفيما يلي تورد سونا نص البيان :

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس
السادة أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات
السادة أصحاب المعالي الوزراء ورؤساء الوفــــود
الســــــادة أعضـــــاء الوفــــود الموقـــرة

أتقدم أولاً إليكم بالتهنئة على انتخابكم رئيساً للدورة (70) للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنّا لعلى ثقة بأنكم وبما عُرفتم به من كفاءة ستقودون مداولاتنا إلى ما نبتغيه جميعاً، كما أتقدم بالشكر والتقدير لسلفكم رئيس الدورة السابقة على ما أبداه من حكمةٍ وصبرٍ في إدارة مداولاتنا … ولابد لي هنا من إزجاء الشكر والتقدير للسيد الأمين العام بان كي مون ومساعديه لما بذلوه من جهودٍ مقدرة خلال الدورة السابقة من أجل إرساء قيم السلام وتحقيق أهداف التنمية حتى تنعم كل الشعوب بالأمن والاستقرار .. إننا بهذه المناسبة نتقدم بالتهنئة لرئيس وحكومة وشعب دولة فلسطين الشقيقة بمناسبة رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، وندعو المجتمع الدولي لتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..

السيد الرئيس ،

باسمي وباسم حكومة وشعب السودان أنقل لكم تحيات صاحب الفخامة، السيد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير، كما أُجدّد عزمنا وتصميمنا على إنجاح مداولات هذه الدورة الهامة من دورات الجمعية العامة، والتي تأتي تحت شعار (الأمم المتحدة في عامها السبعين : الطريق إلى إحلال السلام والأمن وكفالة حقوق الإنسان)، ولا شك أن جدول أعمال مداولاتنا لهذا العام يحمل هموم وتطلعات الملايين من شعوب العالم لغدٍ أفضل ومستقبلٍ زاهر، بدءاً من تجاوز أزمات النزاع والاحتراب في العديد من المناطق المُلتهبة من العالم، وانتهاء بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ولكل ذلك فإنّ الإنسانية جمعاء تعوّل الآن كثيراً على ما نحن بصدده من مداولات تنطلق على أساسٍ متين هو خطة أهداف التنمية المستدامة للعام 2030م التي اعتمدناها الأسبوع الماضي.

السيد/ الرئيس ،

لقد أولت حكومة السودان اهتماماً خاصاً بالمفاوضات الحكومية الدولية حول أجندة التنمية لما بعد العام 2015م، وصولاً إلى الوثيقة التي تم اعتمادها بعد مفاوضات مطوّلة، ولذلك فإننا نُجدد ترحيبنا باعتماد تلك الوثيقة التي كنا شريكاً أصيلاً في المفاوضات حولها، وفي ذات الوقت نؤكد أن السودان قد شرع بالفعل في الخطوات التطبيقية لتنفيذ خطته الوطنية للتنمية المستدامة، واعتماد السياسات والأُطر الهيكلية اللازمة لذلك وتضمينها في البرامج الوطنية على المستويين الاتحادي والولائي، ولذلك فإننا نتطلع إلى الدور المكمّل من الأمم المتحدة عبر فريقها القُطري في السودان وصناديقها ووكالاتها ذات الصلة في دعم جهودنا الرامية لتنفيذ تلك الخُطط، غير أننا إذ نؤكد عزمنا على تحقيق تلك الأهداف استكمالاً لعملية السلام والاستقرار والنمو في بلادنا، فإننا مازلنا نواجه العقوبات الاقتصادية القسرية الأحادية التي تقف عائقاً أمام تنفيذ كل خططنا الرامية لتحقيق تلك الأهداف السامية. وإننا من هذا المقام نُثمّن بشدة ما جاء في الوثيقة من تأكيدٍ واضح وصريح على رفض العقوبات القسرية والأحادية على الدول.

لقد كان عشم بلادى كبيراً ، عقب توقيع وإنفاذ اتفاقية السلام الشامل في عام 2005م وتوقيع اتفاقية سلام الدوحة في عام 2011م، في أن يولى المجتمع الدولي عناية خاصة لقضايا بلادي ومشاكلها الاقتصادية خاصة مشكلة إعفاء الديون التي تثقل كاهل اقتصادنا ، كما كنا نتطلع أيضا لاستئناف العون التنموي كبقية الدول الخارجة من النزاعات فضلاً عن وضعها كدولة أقل نمواً، إلا أن غاية ما يؤسف له أن بلادي قد كوفئت على ما بذلته نحو تحقيق السلام والاستقرار والتضحيات التي بذلتها، كوفئت بسيل من الضغوط والعقوبات والمقاطعة والإجراءات الأحادية والقسرية التي لا تستند لأي مسوغ قانوني سوى أنها استهداف سياسي، ليس ذلك فحسب بل تم وضع العديد من العراقيل أمام استفادتها من بعض المبادرات البناءة مثل مبادرة إعفاء الدول النامية المثقلة بالديون HIPICS لدوافع سياسية بحته لا صلة لها بالواقع .

السيد الرئيس،

بالرغم من الظروف غير المواتية التي خلقتها سياسات الحصار والمقاطعة الجائرة ضد شعبنا فقد بذلنا جهداً متميزاً نحو تحقيق أهداف الألفية الخاصة بالتنمية ، إذ وضعت بلادي تقليل وإزالة مظاهر الفقر بـأبعاده المختلفة في صدارة اهتماماتها ، إلا أن نجاحاتها التي تحققت في زيادة دخل الفرد قد ووجهت بآثار انفصال جنوب السودان وذهاب نسبة مقدرة من عائدات البترول السوداني للدولة الوليدة هذا بجانب انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية وتبعات الحصار الاقتصادي غير العادل.

بالرغم من تلك الصعوبات فقد حققنا نجاحات معقولة في مجال الخدمات التعليمية ، حيث زادت نسبة الاستيعاب في تعليم الأساس والتعليم الثانوي كما حققت نسبة تعليم المرأة ارتفاعاً كبيراً يعكس الاهتمام المتزايد بتعليم المرأة كنتاج للسياسات التشجيعية وبرامج التوعية التي تتبناها الدولة، بفضل ارتفاع نسبة تعليم المرأة وسياسة (الجندرة) المعمول بها ارتفع حظها في التوظيف بدرجة تجاوزت الرجل في بعض القطاعات.

السيد/ الرئيس ،

فيما يتعلق بإحلال السلام وتحقيق الأمن فإنّ حكومة بلادي ماضيةٌ في مسارها صوب ترسيخ قيم الديمقراطية والحكم الرشيد، وقد تابعتم جميعاً إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في السودان في ابريل الماضي، وكيف تمت تلك الانتخابات بصورةٍ آمنةٍ وحرةٍ ونزيهةٍ وشفافةٍ وتحت مراقبة وإشراف العديد من المراكز الإقليمية والدولية، حيث تم في وقتٍ واحد انتخاب السيد رئيس الجمهورية والسادة أعضاء البرلمان بجانب السادة أعضاء المجالس التشريعية في سائر ولايات السودان وذلك للمرة الأولى منذ استقلال السودان عام 1956م .. كذلك نذكّر في هذا السياق بمبادرة الحوار الوطني الشامل التي أطلقها السيد رئيس الجمهورية في 27 يناير 2014م، والتي استجاب لها قطاع كبير من الأحزاب السياسية (أكثر من سبعةٍ وثمانين حزباً سياسياً) للجلوس والتفاكر حول قضايا السلام، والاقتصاد، ومحاربة الفقر، الوحدة، الهوية، العلاقات الخارجية والحقوق والواجبات والحريات والممارسات السياسية، وقد تابعتم جميعاً الضمانات الكافية والمقنعة التي كفلتها حكومة السودان لحاملي السلاح من بقايا المجموعات المتمردة بما يؤمّن مشاركتهم في الحوار على نحوٍ آمن ودون أي قيدٍ أو شرط، وفي هذا السياق فقد أصدر السيد رئيس الجمهورية في الحادي والعشرين من سبتمبر المنصرم مرسومين رئاسيين بشأن تجديد العفو عن كل حاملي السلاح، وتمديد وقف إطلاق النار من طرفٍ واحد ولمدة شهرين من أجل تحفيز بقايا المجموعات التي تحمل السلاح للانخراط في عملية الحوار الوطني الشامل التي لم تستثنِ أحداً.

السيد/ الرئيس ،

فيما يتعلق بكفالة حقوق الإنسان فإن حكومة السودان قد حقّقت خلال الفترة الماضية إنجازات مقدرة، وخطت خطوات متقدمة في كفالة تلك الحقوق حيث أجازت الحكومة الخطة العشرية الشاملة للارتقاء بحقوق الإنسان منذ أكثر من عام، تلك الخطة التي تمثّل الآن إستراتيجية شاملة ومنهج عمل لكافة وزارات ومؤسسات الدولة ذات الصلة، أما فيما يتعلق بكفالة حق المرأة في المشاركة السياسية فإن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أشرتُ إليها آنفاً قد كانت المرأة شريكاً أساسياً فيها بدءاً من عملياتها التحضيرية وانتهاءاً بالمشاركة تصويتاً وانتخاباً وقد حُظيت المرأة السودانية بنسبة 30% من مقاعد البرلمان الذي تم انتخابه …. أما فيما يتعلق بالتعاون مع آليات الأمم المتحدة ومبعوثيها ذوي الصلة، فإن حكومة السودان على تعاون وتنسيق مستمر مع الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان، يضاف إلى ذلك مشاركة الحكومة بصورةٍ فاعلة في آلية الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان في جنيف … أما في مجال مكافحة الجريمة العابرة للحدود فقد وقعت حكومة السودان عدة اتفاقيات ثنائية مع بعض دول الجوار (ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، جنوب السودان) وذلك من أجل إحكام السيطرة ومنع تهريب السلاح ودخول المجموعات الناشطة في الجريمة المنظمة بما في ذلك مكافحة تهريب البشر، وفي هذا المحور نذكر بأن حكومة السودان قد شاركت في استضافة وتنظيم المؤتمر الإقليمي لمنع الاتجار في البشر والتهريب في القرن الأفريقي في أكتوبر 2014، كما أجازت القانون الوطني لمكافحة الاتجار في البشر والذي دخل حيز النفاذ منذ العام الماضي، وبالطبع فإن الحديث عن حقوق الإنسان سيدي الرئيس يقودنا مرة أُخرى إلى موضوع العقوبات الأحادية لنّذكر بتلك الدراسة التي أجراها مجلس حقوق الإنسان قبل عامين حول الآثار المترتبة على تلك الشعوب على حقوق الإنسان بما يؤكد أن المتضرر الأول من مثل تلك العقوبات هي الشعوب وليست الحكومات.

السيد الرئيس ،

ظل السودان شريكاً فاعلاً في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ، بل وعلى المستوى الوطني فإننا قطعنا شوطاً بعيداً في مواءمة القوانين والتشريعات الوطنية لكي تتوافق مع القانون الدولي والصكوك ذات الصلة بمكافحة الإرهــاب والتي أصبح السودان ومنذ أكثر من عقد من الزمان طرفاً فيها جميعاً، تلك القوانين الدولية التي نلتزم بها وبصونها .. ومن هذا المنبر نجدد رفضنا الكامل لمحاولات التسييس وتخطي نصوص القانون الدولي على النحو الذي يكتنف العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية ، التي أثبتت التجارب أن آفـة التسييس وازدواجية المعايير قد حولتها إلى آلية لاستهداف القادة الأفارقة دون غيرهم، وقد تابعتم القرارات الصادرة عن الاتحاد الأفريقي على مستوى القمة في سرت وفي أديس أبابا والتي تعزّزت في قمة الإتحاد الأفريقي الأخيرة في جوهانسبيرج.
ولن ينصلح حال عالمنا دون وجود نظام دولي عادل ومنصف ومقبول لدى كل البلدان والنظام الدولي الذي يحكم عالمنا اليوم والذي كنا قد تواثقنا عليه وارتضيناه قبل عدة عقود لم يعد اليوم مواكباً للتطورات والتحولات الكبرى التي انتظمت العالم مما يستوجب بالضرورة إجراء إصلاحٍ واسع وعميق وإعادة النظر بما يتناسب مع الظروف المحيطة بنا اليوم.
عليه ، فإن بلادي تطالب وبشدة بضرورة النظر ، وبأعجل ما يمكن في إجراء عملية إصلاح هيكلي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، إصلاحاتٍ تراعى التمثيل العادل والمنصف للبلدان. إن التحديات الكبرى التي تواجه عالمنا اليوم تستوجب إرادة دولية غلاّبة للتعاطي معها، وتصبح الحاجة ملّحة، ونحن بين يدي الذكرى السبعين لاعتماد ميثاق الأمم المتحدة، التي تدفع بجهود إصلاح المنظمة الدولية إلى الأمام بهدف تحقيق أكبر قدر من التمثيل والديمقراطية والشفافية في أجهزة الأمم المتحدة وبخاصةً مجلس الأمن الذي يحتاج إلى عملية إصلاح شاملة تضمن التمثيل الواسع وبخاصةً تمثيل القارة الأفريقية في فئتي العضوية الدائمة وغير الدائمة بجانب إصلاح مناهج وطرائق عمله ولوائحه على نحوٍ يبتعد عن التسييس والانتقائية وازدواجية المعايير ويصبح من المهم في هذا الإطار التنبيه إلى أن مكافحة الإفلات من العقاب هدف نبيل تلتقي حوله الإرادة الدولية غير أن خلط العدالة كمبدأ بالتسييس يعتبر أمراً لا يتسق مع مبادئ الميثاق والقانون الدولي ويجعل من موضوع العدالة الدولية منصة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة لا تمت للأهداف النبيلة بصلة .. ويدعو وفدي في هذا الإطار إلى تقوية الآليات الإقليمية ودعمها وتعزيز الدبلوماسية الوقائية في التعاطي مع النزاعات ومخاطبة جذورها المتمثلة في محاربة الفقر وتحقيق التوازن العادل في النظام الدولي والسياسي والاقتصادي.

وشكراً السيد الرئيس .