من المعلوم أن جريمة الاتجار بالبشر تنتهك كل القيم الإنسانية والدينية، وتناقض أيضا العديد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل والمرأة و العمال المهاجرين وعمالة الأطفال، كما تنافي كذلك بنود ميثاق الأمم المتحدة ضد الجريمة الدولية المنظمة لمنع وقمع ومعاقبة المتاجرين بالبشر، خاصة النساء والأطفال، الصادر في ديسمبر 2003.وهي قضية اجتماعية اقتصادية، ولكنها أخذت بُعداً سياسياً صارخاً في الدول الأكثر نشاطاً في هذه التجارة. وربما آن الأوان لإعادة النظر في مقولة المفكر والسياسي والمؤرخ الفرنسي ألكسيس دي توكفيل (إنّ إلغاء تجارة الرقيق هو قرار لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، لن تجد في تاريخ البشرية أعظم من هذا الإنجاز). وبحسب المنظمة الدولية لمناهضة العبودية فإنّ الاتجار بالبشر، أو كما تسميه أدبيات السياسة بالعبودية المعاصرة أو رقّ القرن الحادي والعشرين، يتضمن نقل الأشخاص بواسطة العنف أو الخداع أو الإكراه بغرض العمل القسري أو العبودية أو الممارسات التي تشبه العبودية.
في القانون الدولي توجد قاعدة قانونية صريحة لا يمكن تجاوزها تنص على حظر الاتجار بالبشر (لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما) المادة (4) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويمثّل السودان بحكم موقعه الجغرافي معبراً وهدفاً للهجرة غير الشرعية خاصة من الدول الأفريقية، كما يُعتبر مصدّراً للهجرات غير الشرعية للمواطنين السودانيين إلى أوروبا وإسرائيل ودول الخليج. ولعل أسباب الهجرة تتسع في حالة السودان لتشمل بالإضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتأثير الحروب والنزاعات المسلحة على المواطنين أيضاً تفشي البطالة بين الشباب وتفاقم حالات الفساد في الحكم والإدارة، مما يحوّل الهجرة غير المنظمة وتهريب البشر إلى نشاط الاتجار بالبشر ويساهم كذلك في تنامي الظاهرة.
ولعلّ العوامل التي ساعدت السودان ليكون هدفاً للاتجار بالبشر هو طول ساحل البحر الأحمر على حدوده الشرقية والذي يبلغ حوالي 700 كلم، كما أنّ سلاح البحرية التابع للقوات المسلحة الذي كانت مهمته تأمين هذا الساحل، تم استبداله بشرطة الجمارك والأمن البحري بعد مجيء الإنقاذ ونقله إلى جنوب السودان بعد اشتعال الحرب هناك. ويسهّل طول الحدود البرية مع الدول المجاورة أيضاً، الدخول إلى السودان عبر بوابة التهريب والتجارة في البشر، ولذلك تم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر برئاسة مولانا أحمد عباس الرزم وكيل وزارة العدل كما تم إنشاء اللجنة القومية العليا برئاسة نائب رئيس الجمهورية، مما يؤكد تماما اهتمام السودان بمكافحة هذه الجريمة .
لمكافحة جريمة (الاتجار ) بالبشر تم إنشاء اللجنة الحكومية لمكافحة الاتجار بالبشر العام 2014، بعد صدور قانون مكافحة الاتجار بالبشر، بالاستناد على مواثيق وبرتوكولات دولية كثيرة معنية بذلك، خاصة المتعلقة بالنساء والأطفال ويتلخص جهدها في أربعة محاور أساسية، وهي المنع أو الوقاية، والحماية، والملاحقة الجنائية، وعقد شراكات مع وكالات الأمم المتحدة.
وفي ذات العام صادق البرلمان على قانون لمكافحة الاتجار بالبشر، تتراوح عقوباته بين الإعدام والسجن من 5 إلى 20 عاما. ويشمل عمل اللجنة جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية بالمكافحة، ويترأسها وكيل وزارة العدل مولانا أحمد عباس الرزم،
ولقد بدأت اللجنة عملها بتدريب أعضائها داخل وخارج السودان، وتمكنت خلال عامها الأول (2015- 2016) من وضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.
كانت السلطات المختصة بولاية البحر الأحمر قد ألقت القبض في أغسطس 2011م على المتهم الرئيسي في قضية تهريب البشر، التي راح ضحيتها عدد من الأشخاص بعد أن غرقوا في البحر الأحمر جنوب مدينة سواكن الساحلية. هذا غير إحباط بعض محاولات التسلل عبر البحر الأحمر، وغير حوادث الاحتراق والغرق التي راح ضحيتها مئات الأرواح من السودانيين وغيرهم من لاجئي الجوار الأفريقي. ومحاولات أخرى في المدن المتاخمة للحدود الشرقية تدل على أنّ نشاط الاتجار بالبشر عمل منظم اكتملت أركانه على مدى سنوات. هذا بالإضافة إلى نشر تفاصيل سرقة أعضاء المتسللين إلى إسرائيل عبر شبه جزيرة سيناء بمصر، وغالبيتهم من المهاجرين ، حيث وردت في بعض الصحف معلومات عن قيام جماعات وعصابات مسلحة باحتجازهم ونزع أعضائهم بغرض بيعها وقتلهم إن دعا الأمر.
في منتصف يوليو 2018م . حررت شرطة المباحث بولاية كسلا (139) رهينة كانوا في قبضة عصابات للاتجار بالبشر وألقت القبض على الجناة متلبسين، وأدى هذا الجهد الشرطى إلى مطالبة والي ولاية كسلا الأستاذ آدم جماع آدم بتمديد قانون الطوارئ وقال الوالي ـ إن الغرض من تمديد قانون الطوارئ ليس من باب حرمان المواطنين حرياتهم وممارسة أعمالهم بل من أجل الممارسات (التي يندى لها الجبين ويتفطر لها القلب) خاصة تجارة وتهريب البشر والتهريب السلعي
.من جانبه قال مدير شرطة الولاية مقرر لجنة الأمن اللواء شرطة الدكتور يحيى الهادي سليمان (إننا نقف أمام إنجاز له بعده المحلي والإقليمي والدولي ويمثل ردا بليغا لكل المنظمات الدولية التي تدعي بأن السودان لا يتعاون في مكافحة جريمة تهريب البشر)
من جملة المؤتمرات التي تناولت هذه الجريمة مؤتمر حوار الأديان االذي عقد في مدينة الدوحة 11/2/2008م حيث بحث عدداً من الموضوعات الاستراتيجية والبالغة الأهمية المتعلقة بالحقوق والحريات والقضايا المؤرقة للمجتمع البشري والمتناقضة مع القيم الدينية والدين الإسلامي الحنيف، الذي كرم الإنسان وجعله خليفته في الأرض ومتعه بنعيم الحرية ونهى عن أي مساس بحريته مصداقاً لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء
ولقد شارك في أعمال المؤتمر عدد كبير من علماء المسلمين والأحبار والقساوسة ممثلي الديانتين اليهودية والمسيحية إضافةً إلى مفكرين وباحثين يمثلون مختلف المدارس الفكرية وناقشوا قضايا الاتجار بالبشر بأبعادها العقائدية والفكرية والإنسانية إضافة الى وقوفهم أمام مواضيع تؤرق المجتمع الإنساني ومخالفة للوجهة الشرعية منها موضوع الموت الرحيم، والإساءة إلى الرموز الدينية، وقد توافقت إرادات جميع المشاركين في المؤتمر على تجريم ظاهرة الاتجار بالبشر وإدانتها ودعوا المجتمعات الإنسانية (علماء ومفكرين، منظمات أهلية، دولية، وحكومات) إلى مواجهة الأسباب والدوافع لهذه الظاهرة المنافية للقيم الإنسانية، وبرز موقف أكثر جدية وصيرورة على مواجهة هذه الظاهرة من علماء المسلمين الذين اعتبروا أن آخر مظاهر الرق والعبودية قد اختفى بظهور الإسلام الحنيف الذي نشر العدل والمساواة بين الناس تأكيداً على عظمة الدين الإسلامي ومساواته المطلقة لبني البشر غنيهم وفقيرهم، أبيضهم وأسودهم وأصفرهم، وجعل التكريم الأعظم لبني البشر يتمثل بالتقوى والعمل الصالح الذي يعود على المجتمع البشري بالخير والسلام والمحبة.
المؤتمر الثاني استضافه السودان في الفترة من ١٦-١٨ يوليو الجاري، المؤتمر الأول للجان الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لدول القرن الأفريقي، ضمن الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لعام ٢٠١٨، وتم اعتماد مشروع المؤتمر ضمن أنشطة مشروع تحسين إدارة الهجرة. وكان المؤتمر بالتنسيق بين اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، ومشروع تحسين إدارة الهجرة (BMM – GIZ) وبمشاركة ممثلين للجان الوطنية في كل من أوغندا، كينيا، إثيوبيا، جنوب السودان، جيبوتي والصومال، مستهدفا تبادل الخبرات والتجارب بين اللجان الوطنية في دول القرن الأفريقي وتنسيق الجهود بين دول المنظمة خاصة في مجالات وأنشطة الوقاية وحماية الضحايا، بالإضافة إلى تبادل المعلومات والتعاون في الحملات المشتركة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر ومناقشة أسس نظام الإحالة.
استهدف المؤتمر التنسيق والتعاون بين دول المنطقة لمعالجة الظاهرة باعتبارها من الجرائم البشعة التي تحط من قدر وكرامة الإنسان، كما كان له دور مهم في تعزيز التعاون والشراكات بين دول المنطقة والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، وفي هذا الخصوص أشارت رئيسة هيئة الاتحاد الأوربي في السودان أن اللقاء يهدف إلى تبادل الممارسات الأفضل في القرن الإفريقي للوصول إلى وضع أفضل للهجرة ومواجهة التحديات التي يواجهها المهاجرون من خلال معالجة جذور الهجرة.
وقالت إن احترام حقوق الإنسان يفرض عليهم وضع معايير خاصة بذلك خاصة حقوق المرأة والطفل وضحايا الاتجار بالبشر وتهريبهم.
وعلى ذات الصعيد أكد ممثل الإيقاد أن الهجرة أصبحت تمثل مكانا كبيرا في الإعلام وخاصة بالدول التي تستقبل مهاجرين وترسم الكثير من سياسات الدولة في النواحي السياسية والاقتصادية وأن بعض الدول لم تكن ستتشكل لولا الهجرة إليها، مضيفا بأن المؤتمر يهدف إلى بناء القدرات بين الدول الأعضاء وتبادل المعلومات والتعاون والتنسيق والحصول على الموارد لمكافحة هذه الظاهرة.
لقد قدم الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة مساعدات في مجالات التدريب والدعم الفني فى مجال مكافحة الظاهرة ، خاصة الاتحاد الأوروبي الذى دعم منذ البداية مؤتمر الخرطوم الذي انعفد في العام 2014م و خرج بنتائج أبرزها الاستمرار في العملية (مكافحة الاتجار بالبشر) وتكثيف التدريب
أخيرا وفي 30 يونيو الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، ورفعت فيه تصنيف السودان من الفئة الثالثة المنتهكة لمعايير المكافحة إلى الفئة الثانية.
ووجهت الخارجية الأمريكية انتقادات للسودان، لكن في الوقت نفسه نوهت بالجهود الكبيرة التي يبذلها لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.
وبالرغم من أن “التقرير فيه انتقادات للسودان، لكنه يعتبر إيجابيا، لا سيما وأن الحكومة اجتهدت كثيرا خلال العامين الماضيين.
نعم يكافح السودان ظاهرة الاتجار بالبشر، التي تضاعفت معدلاتها في السنوات الأخيرة، على الحدود الشرقية مع إثيوبيا وإريتريا، والحدود الشمالية الغربية مع ليبيا. وبالتالي تتطلب التنسيق بين الأجهزة الحكومية والدول المجارة، باعتبارها مصدرا من مصادر الهجرة غير الشرعية، ولأن المهاجر غير الشرعي يكون ضعيفا ويسهل استغلاله.
السودان يقع في منطقة جغرافية سياسية حرجة، ويبلغ طول الحدود مع دول الجوار حوالي 7 آلاف كيلومتر، وهذه الدول تعاني من عدم استقرار سياسي واقتصادي، وبالتالى فإن الحل الحقيقي لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية هو تقديم الدعم ومشروعات التنمية للبلدان الإفريقية الفقيرة، وتحسين ظروف التعليم ومحاربة البطالة.