انقسامات دولية بشأن سبل مواجهة الاحتباس الحراري

واجه مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مدريد خطر الانهيار أمس بعدما أدت المفاوضات المارثونية لمزيد من الانقسامات بين الدول المشاركة بشأن سبل مواجهة الاحتباس الحراري.
واعترض مندوبو الدول الغنية والدول العملاقة الناشئة وأفقر دول العالم على مشروع نص نهائي كشفت عنه تشيلي في محاولة فاشلة لإيجاد أرضية مشتركة.
وفي أعقاب عام شهد كوارث عنيفة مرتبطة بالمناخ مثل العواصف القاتلة والفيضانات وحرائق الغابات بالإضافة لإضرابات أسبوعية لملايين الشبان، كان على المفاوضات في مدريد أن ترسل إشارة واضحة بخصوص رغبة الحكومات في معالجة الأزمة.
وتهدف قمة “كوب 25” أيضا لوضع اللمسات الأخيرة على قواعد اتفاق باريس للمناخ المبرم في 2015، الذي يدخل حيز التنفيذ العام المقبل.
وقال الاتحاد الأوروبي إنه يتعين على مؤتمر مدريد أن يبعث بإشارة قوية إلى أن الدول مستعدة لفعل ما هو أكثر لخفض الانبعاثات في الوقت الذي تزيد فيه المخاوف من أن الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ تسير في الاتجاه المعاكس.
وبحسب “رويترز”، كان مقررا اختتام هذه الجولة من مفاوضات المناخ السنوية، التي استمرت أسبوعين أمس الأول، لكنها امتدت إلى مطلع الأسبوع الجاري، مع فشل الوفود في حل خلافات مضاعفة حول تطبيق الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في باريس قبل أربعة أعوام.
وأفادت كريستا ميكونين، وزيرة البيئة الفنلندية، التي تحدثت باسم الاتحاد الأوروبي في الجلسة الأحدث من المحادثات أنه سيكون “من المستحيل أن ننصرف” دون الاتفاق على “رسالة قوية” حول الحاجة إلى مضاعفة التعهدات بخفض الانبعاثات العام المقبل.
وأضافت ميكونين أن “هذا شيء يتوقعونه منا في خارج المؤتمر ونحتاج إلى أن نستمع لنداءاتهم”.
وتفاعلت دول من بينها نيبال وسويسرا وأوروجواي وجزر مارشال مع نداء الاتحاد الأوروبي داعية إلى طموح أكبر في مجال مكافحة تغير المناخ.
ويقول مراقبون إن أحدث مشاريع البيانات، التي صاغتها تشيلي التي تتولى رئاسة المؤتمر لتناقشها الوفود خلت من التزامات قوية مطلوبة لإعطاء قوة دفع جديدة لاتفاق باريس، الذي يتداعى.
وفي الوقت، الذي سجلت فيه الانبعاثات العالمية رقما قياسيا عاليا العام الماضي، ترى الدول التي تضغط من أجل تحرك أقوى في مجال المناخ أنه يتعين على الدول الأكثر تلويثا للبيئة أن توافق على قطع تعهدات أكثر طموحا العام المقبل لإعطاء الاتفاق فرصة كبيرة في النجاح.
وتم تمديد فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مدريد لوقت إضافي أمس، حيث تم صدور مسودات نصوص جديدة صباحا، بعد إجراء مفاوضات ليلا.
وكان من المقرر في بادئ الأمر أن تكون الجلسة النهائية بكامل أعضائها مساء الجمعة، لكنها تأجلت بعد أن فشل المندوبون في التوصل إلى إجماع بشأن وثيقة نهائية.
وخلال مؤتمر مدريد، عادت إلى الواجهة الانقسامات القديمة بين الدول الغنية الملوثة للبيئة والدول النامية بشأن الجهة، التي عليها خفض انبعاثات الغازات الفيئة، ومقدار ذلك وكيفية دفع التريليونات، التي تحتاج إليها البشرية للتكيف مع التغير المناخي.
وفي الوقت نفسه، أدت الخلافات الأحدث بين الدول الفقيرة المعرضة للكوارث المناخية، وتلك العملاقة الناشئة مثل الصين والهند، الدولتين الأولى والرابعة في ترتيب الانبعاثات في العالم، إلى عرقلة التقدم.
ولم يتفق القادة، الذين تجمعوا في العاصمة الإسبانية مدريد من 196 دولة والاتحاد الأوروبي، على وثيقة نهائية وعلى كيفية تمويل الدول الفقيرة للتخفيف من حدة الضرر الناجم عن تغير المناخ وأيضا على قواعد سوق الكربون.
واتضحت عدم قدرة القادة على التوصل إلى اتفاق خلال جلسة عامة عقدت أول أمس، حيث اختلفت مطالبهم بدرجة كبيرة.
واستبعد المراقبون حدوث أي تحرك عند استئناف العمل على صياغة الوثيقة النهائية للمؤتمر.
وواجهت الدول الكبيرة المسؤولة عن التلوث ضغوطا حتى آخر دقيقة في المؤتمر من الدول الأصغر لإثبات جدية التزامها بمكافحة التغير المناخي.
وأفاد مراقبون أن أعضاء الوفود يناضلون لحل مسألة ما إذا كانت الدول الكبيرة المسؤولة عن التلوث ستبدي نيتها لزيادة المستويات، التي تستهدفها لخفض الانبعاثات الملوثة للبيئة العام المقبل عندما تدخل اتفاقية باريس مرحلة التنفيذ الفاصلة.
وذكر أندرو نورتون، مدير المعهد الدولي للبيئة والتنمية، الذي مقره لندن أن “مصير اتفاقية باريس على المحك”.
ويعتقد المراقبون أن الاقتصادات الناشئة، التي تنمو بشكل سريع مثل الصين والهند والبرازيل تحجم عن الالتزام بكشف النقاب عن أهداف جديدة بسرعة كبيرة خشية أن ينتهي بها الأمر بدفع ثمن خفض الانبعاثات، التي يجب أن تتحملها الدول الغنية.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي، باستثناء بولندا، قد اتفقت خلال قمة عقدت في بروكسل الخميس الماضي على إنهاء انبعاثات الكربون تماما بحلول 2050.
واتهمت الولايات المتحدة، التي ستنسحب من اتفاق باريس العام المقبل، بلعب دور المفسد في عدد من القضايا الحيوية بالنسبة للدول المعرضة للكوارث المناخية، بما في ذلك ما يسمى بتمويل “الخسارة والضرر”.
ومن أجل تحقيق الهدف المثالي لاتفاق باريس، الذي يحد الارتفاع في درجات الحرارة بنحو 1.5 درجة فقط، يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 7.6 في المائة سنويا بدءا من العام المقبل حتى 2030، ما يتطلب تحولا غير مسبوق في الاقتصاد العالمي. لكن في المقابل، ما زالت انبعاثات هذه الغازات ترتفع.
وحتى الآن التزمت نحو 80 دولة بزيادة التزاماتها المناخية في 2020، لكن هذه البلدان لا تمثل سوى نحو 10 في المائة من الانبعاثات العالمية.
إلى ذلك، حث ماتيوس مورافيسكي، رئيس الوزراء البولندي الاتحاد الأوروبي على تقديم دعم مالي سخي لبلاده من أجل التحول إلى الطاقة المتجددة.
وحول ما إذا كانت بولندا تطالب بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي من أجل فترة انتقالية للتحول إلى الطاقة المتجددة، أوضح مورافيسكي في تصريحات لصحف مجموعة “فونكه” الألمانية الإعلامية أنه “إذا كنا نريد تحقق هذا الانتقال، يتعين علينا توفير الأدوات المناسبة كافة”.
وذكر مورافيسكي أن التحول للطاقة المتجددة، الذي يمثل أحد أكبر التحديات، التي تواجهها أوروبا، لا يمكن تمويله بمخصصات رمزية، وتعتمد بولندا بشدة على الفحم في توليد الكهرباء.
وتابع مورافيسكي “الأفكار الأساسية عن صندوق للانتقال العادل بقيمة خمسة مليارات يورو غير كافية إلى حد كبير.. يمكننا الآن أن ننصت برضا أكبر إلى خطط المفوضية الأوروبية لتخصيص 100 مليار يورو على الأقل لهذا التحول.. ننتظر معرفة مزيد من التفاصيل”.
وأكد مورافيسكي ضرورة توفير تمويل مالي كاف، موضحا أن هناك خطورة في أن يرفض المجتمع هذا التحول حال كان هناك توزيع نسبي للأعباء.
وأضاف أن “هذا يمس على وجه الخصوص المناطق، التي تعتمد على قطاع الفحم”، مشيرا إلى أنه لا يريد أن تحدث في بلاده احتجاجات السترات الصفراء على غرار فرنسا.