انتخابات إندونيسيا سباق على الصوت الإسلامي

انطلقت واحدة من أطول الحملات الانتخابية في آسيا وربما العالم في إندونيسيا هذا الأسبوع، وتستمر لسبعة أشهر حتى قبيل يوم الاقتراع في 17 أبريل 2019. وعمليا تعيش البلاد أجواء منافسة إنتخابية، منذ عدة أشهر ماضية استعدادا لخوض انتخابات تشريعية ورئاسية في آن واحد لأول مرة منذ الاستقلال قبل 73 عاما.

وكانت البلاد قد شهدت خلال العقدين الماضيين تحولات بالنظام الانتخابي، من انتخاب الرئيس من قبل مجلس الشعب الاستشاري (أعلى سلطة تشريعية وسياسية في البلاد) إلى انتخابه بصورة مباشرة من قبل الشعب. والآن سيجري انتخاب الرئيس والبرلمان المركزي والمحلية في يوم واحد.

ويتنافس بانتخابات 2019 عشرون حزبا معظمها من الأحزاب القديمة، وبعضها جديدة في المسمى والاعتماد، لكنها تمثل شخصيات معروفة سابقا مثل حزب الإنجاز الذي أسسه أبناء الرئيس الأسبق سوهارتو، كما لإقليم آتشه أربعة أحزاب، وبشكل استثنائي لا يتنافس نوابها إلا على المستوى المحلي، ويتحالفون بالبرلمان المركزي مع أحزاب أخرى، بالحكم الذاتي الخاص الممنوح للإقليم منذ توقيع اتفاقية السلام مع جاكرتا عام 2005.

وبسبب وجود 524 مجلسا تشريعيا محليا للمدن والمحافظات والأقاليم، يشتد التنافس على 20.392 مقعدا في تلك المجالس، لكن أبرزها 575 مقعدا بالبرلمان المركزي في جاكرتا، والذي يتنافس على مقاعده 7.968 مرشحا من عموم أقاليم البلاد. ولذا فالمنافسة على أشدها بين الأحزاب، لاسيما وأن معظمها يعاني من أزمات داخلية وانشقاقات ومن محاكمات لأعضاء بعضها بتهم الفساد.

وبسبب قانون العتبة الانتخابية المعدل مؤخرا الذي استحدث شرطا مثيرا للجدل يقضي أن يملك التحالف الذي يقدم مرشح للرئاسة 20% من مقاعد البرلمان الحالي أو 25% من الأصوات بالانتخابات السابقة عام 2014، فقد اقتصر السباق الانتخابي الرئاسي على مرشحين اثنين فقط هما الرئيس الحالي جوكو ويدودو (جوكووي) الذي يسعى لولاية ثانية وأخيرة، والجنرال المتقاعد برابوو سوبيانتو القائد السابق للقوات الخاصة والزوج السابق لابنة الرئيس الراحل سوهارتو.

ويحظى جوكووي بدعم أحزاب التحالف الحاكم اليوم، وهي قومية ووطنية ذات توجه يساري، لكنه اختار رئيس مجلس العلماء معروف أمين المحسوب على تيار النهضة (إسلامي تقليدي) ليكون مرشحا كنائب له، سعيا لكسب أصوات التيار الإسلامي.

بينما تدعم أحزاب إسلامية ذات ثقل شعبي الجنرال برابوو الذي يترشح للمرة الثالثة للرئاسة، والذي خسر انتخابات 2009 كمرشح لمنصب نائب الرئيس إلى جانب الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو، وعام 2014 كمرشح للرئاسة. واختار برابوو بالانتخابات القادمة ساندياغا صلاح الدين أونو رجل الأعمال ونائب حاكم جاكرتا شريكا له كمرشح لنائب الرئيس.

ويترشح برابوو وصلاح الدين عن حزب “حركة إندونيسيا العظمى” أقوى الأحزاب المعارضة بالبرلمان اليوم، وبدعم من حزبيين إسلاميين آخرين أحدهما حزب العدالة والرفاه المتحالف معه بجولات انتخابية عديدة سابقا، وحزب الأمانة الوطني الذي يمثل تيار جمعية المحمدية الإسلامية، وحزب إسلامي تاريخي آخر ظهر مجددا هو حزب النجمة والهلال. كما انضم لهذا التحالف الحزب الديمقراطي برئاسة الرئيس الأسبق سوسيلو بامبانغ يوديونو، مما أضاف زخما ودعما لهذا التحالف.

وفي ظل تجاذبات أخذت طابعا قوميا ودينيا، أعلن المئات من العلماء دعمهم برابوو الذي دعي لتوقيع عقد سياسي مع العلماء بشأن عدد من القضايا التي تهم مسلمي إندونيسيا.

ويشير الاتفاق بين الطرفين لدعم الدستور والمبادئ الأساسية للدولة، وأن يعزز برابوو -إن ترأس البلاد- رعاية القيم الدينية والأخلاقية بالمجتمع، وحمايته من الأفكار وأساليب الحياة الدخيلة التي تهدم القيم. وأكد الاتفاق على دعم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل الاستقلال في كل المحال الدولية بما تمليه روح الدستور الإندونيسي.

وفي المقابل، فإن مرشح الحكومة الرئيس الحالي جوكووي لقي دعم تيار ديني آخر من علماء جمعية نهضة العلماء ومشرفي معاهدها الدينية التقليدية بأرياف شرق جاوا ووسطها، مستندين في موقفهم إلى أن المرشح لمنصب نائب الرئيس هو رئيس مجلس العلماء.

وتظهر انطلاقة الحملة الانتخابية المبكرة سعي المرشحين الرئاسيين -عن التحالف الحاكم والمعارضة على حد سواء- لنيل تأييد الزعامات الدينية وطمعا في كسب أصوات التيارات الإسلامية واسعة التأثير على اختلاف مشاربها وتوجهاتها.